الإدمان على النيكوتين
إن التدخين من أهم أسباب الأمراض الممكن منعها عالمياً، والتدخين سبب للموت عبر وسائل عدة من أمراض سرطانية ومشاكل الجهاز الدوري والجهاز التنفسي، والتأثير على الحمل والولادة والأجنة.
التدخين مسؤول عن وفاة 5 ملايين إنسان سنوياً أي وفاة من كل عشرة، والآن هناك 3ر1 مليار مدخن في العالم، 84 منهم يعيشون في الدول النامية، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن التدخين سوف يقتل عشر ملايين إنسان سنوياً في عام 2020، وأما كلفة التدخين وأضراره فإنها تصل إلى 200 مليار دولار سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأما السبب الذي يدفع الإنسان للتدخين فهو متعدد الأوجه، وهناك اختلاف بين الأسباب التي تدفع للبدء في التدخين والأسباب التي تؤدي للاستمرار فيه، فمن الاعتماد على النيكوتين للعوامل الوراثية والنفسية والإجتماعية تعمل على استمرار التدخين، أما بدايته فهي تجربة ومغامرة وتقليد.
النيكوتين مادة تؤدي للإدمان وتعطي بعض الإنتعاش والتوقف عنها فيها أعراض انسحابية، والنيكوتين منشط ومثبط للجهاز العصبي، ويختلف تأثيره حسب الظروف والفرد والكمية، ولسنوات طويلة ظل الجدل حول العادة أم الإدمان في التدخين، وركزت القوة الإقتصادية لصناعة السجائر على أنه عادة، مما عنى للكثيرين أن لا علاقة للأطباء بالتدخين.
يشعر المدخن أن السيجارة تحسن من مزاجه وتخفف من تعبه، وقد تعطيه انتعاشا وتهدئه، وهذه الآثار مرتبطة بمعدل النيكوتين في الدم ودرجة تركيزه في المستقبلات العصبية في الدماغ.
يقوم النيكوتين بحثّ الغدد الصماء، ويصبح هناك ضرورة لزيادة الجرعة للحصول على نفس درجة التنبيه العصبي، الجرعات الصغيرة المتلاحقة تعطي تنبيها أما الجرعات العالية فتكون مثبطة ومهدئة للجهاز العصبي.
يؤثر النيكوتين على تواجد الدوبامين والسيراتونين مما يؤدي إلى زيادة حادة في ضربات القلب وضغط الدم، ويعمل على آلية التعزيز الإدمانية عن طريق الأفيونات الدماغية.
العلاقة بين الإكتئاب والتدخين ثابتة، فالإكتئاب بين المدخنين هو ضعف إنتشاره بين غير المدخنين، وكما أن حدوث الإكتئاب يقلل من فرصة ترك التدخين.
من المعروف أن التدخين في الدول الغربية الصناعية قد انخفض خلال العقود الخمسة الماضية ولكن في الدول النامية مع الأسف الحال يسوء.
في الدول المتقدمة أصبحت معدلات التدخين متقاربة بين الرجال والنساء، في الدول النامية والعربية فإن النساء يسارعن الخطى للحاق بمعدلات التدخين حتى لا يفوتوا عليهن المساواة مع الرجل في أسوء السلوكيات.
صحيح أن التدخين يبدأ كعادة اختيارية ولكنها تنتهي بالإدمان، ويفترض بالكوادر الطبية أن تكون أول من يقلع عن التدخين وثم القيام بالدور اللازم في التنبيه من أضرار التدخين ومساعدة وحث المدخنين على الإقلاع.
ومع الأسف في المجتمع الأردني والعربي لا يلاحظ أن الأطباء والعاملين بالمهن الطبية أقل تدخيناً، كما أننا كنا سباقين لنشر الأرجيلة في المقاهي واعتبارها سلوكاً مقبولاً شاع في العقدين الماضيين.
وقد لاحظت على مدى السنوات أن الندوات أو المحاضرات أو المقالات حول التدخين غالباً لا تصل للناس، لأنه من الواضح أن العاملين في الحقل الإعلامي مثل الحقل الطبي هم من المدخنين عموماً.
إن 90% ممن أقلعوا عن التدخين قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم وتحملوا أعراض الانسحاب وأهمها الاشتياق وزيادة الوزن، وقد استعملت وسائل كثيرة للمساعدة في الإقلاع عن التدخين من الإبر الصينية لليوغا للتنويم، ورغم أن نسب الإقلاع تكون عالية إلا أن الإنتكاس يكون كبير.
وظهرت بدائل النيكوتين مثل اللاصقات على الجلد، وبخاخ الأنف، والعلكة والأقراص التي توضع تحت اللسان، وظهر لها فعالية عند المدخنين المصممين والذين استعملوا وسائل أخرى ومنها تغيير نمط الحياة.
وفي السنوات الأخيرة ظهر أثر واضح لأحد مضادات الاكتئاب في المساعدة على التخفيف من التدخين وتسهيل الإقلاع عنه، وأخيراً ظهر لأول مرة علاج مباشر للتدخين يسمى (شانتكس) وهو يعمل على تعطيل عمل مستقبلات النيكوتين في الدماغ، وأعطى فرصة للإقلاع عن التدخين وبمعدل ثلاثة أضعاف الوسائل الأخرى.
مع ظهور قانون الصحة الأردني لعام 2008 ومنع التدخين في الكثير من الأماكن أصبح لابد من فزعة وطنية للتخفيف من التدخين ومساعدة من يرغبون بالإقلاع عنه، وإغلاق ما يسمى كوفي شوب المخصصة للأرجيلة، وحث الشركات والمؤسسات الوطنية على تبني إستراتيجية إرشاد وعلاج للعاملين في هذه المؤسسات بشأن أضرار التدخين وكيفية الإقلاع عنه.